اليونسكو و التراث الشفهي واللامادي للبشرية

تسجل اليونسكو على قائمة التراث العالمي مواقع أثرية أو طبيعية أو سياحية أو ثقافية، وهي كلها مواقع مادية ذات أصالة مشتركة مع التاريخ الإنساني. لكن الاهتمام لدى اليونسكو بدأ في مطلع الألفية الثالثة بالتركيز أيضا على تسجيل التراث اللامادي.

وللمرة الأولى، ميزت اليونسكو أعمالاً فنية أو رفيعة في التراث الشفهي واللامادي في عام 2001، ونعدد منها:

أقدم أوبرا صينية، المسرح الياباني نوغاكو، المسرح الصقلي للعرائس، كرنفال أورورو في الأنديز، الأغاني الجيورجية، حكايات الإيفوغاو من الفيليبين، عالم الحكواتية والموسيقيين والعارضين المختلفين الآخرين في ساحة في مراكش، وكذلك التراث الشفهي أو الموسيقي لعدد كبير من المجتمعات الأفريقية، هي نماذج مما تم إدراجه بين 19 فضاء ثقافي أو أشكال تعبير ثقافية أعطتها اليونسكو في عام 2001 تسمية “أعمال فنية رفيعة من التراث الشفهي واللامادي للإنسانية”.

جاء هذا الإعلان الأول للأعمال الفنية في التراث الشفهي واللامادي بعد ثلاثة أيام من اجتماع لجنة التحكيم الدولية المؤلفة من 18 عضواً يرأسهم الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو. وكان اثنان وثلاثون ترشيحاً قد عرض على هذه اللجنة.

أربعة من الأعمال التي فازت كانت مقدمة من دول القارة الأمريكية. وهي: لغة ورقصات وموسيقى الغاريفونا (البليز، وقد دعمتها كل من الهندوراس ونيكاراغوا)؛ وكرنفال أورورو (بوليفيا)؛ والفضاء الثقافي لأخوة الروح القدس لجماعة كونغوس فيلا ميلا (جمهورية الدومينيكان)؛ والتراث الشفهي والتظاهرات الثقافية لشعب زابارا (الإكوادور والبيرو).

كذلك نالت لقب أعمال فنية رفيعة ثلاثة فضاءات أو أشكال تعبير ثقافية أفريقية: التقليد الشفهي لقبائل ومنطقة جيليده (في بنين، ودعمتها كل من نيجيريا وتوغو)؛ وآلات ومعزوفات غبوفه من أفونكاها: وهي موسيقى الفضاء الثقافي لمجتمع تابغانا (ساحل العاج)؛ والفضاء الثقافي للسوسو بالا (غينيا).

أما في آسيا، فقد كرّم اليونسكو ستة أعمال فنية رفيعة: أوبرا كونغو (الصين)؛ ومسرح كوتياتام السنسكريتي (الهند)؛ ومسرح نوغاكو (اليابان)؛ والطقس الملكي الخاص بالأسلاف وموسيقا معبد يونغميو الشعائرية (كوريا)؛ والحكايات المغناة هودهد لقبائل الإيفوغاو (الفيليبين)؛ والفضاء الثقافي لمقاطعة بويسون (أوزبكستان).

وحاز التراث الشفهي واللامادي الأوروبي على خمس جوائز: لغز إلش (إسبانيا)؛ والغناء المتعدد الجيورجي (جورجيا)؛ ومسرح العرائس الصقلي “أوبرا دي بوبي” (إيطاليا)؛ ونشوء ورمزية الصلبان في ليتوانيا (ليتوانيا مدعومة من ليتونيا)؛ والفضاء الثقافي والثقافة الشفهية للسيميسكييه (الاتحاد الروسي).

أما في البلاد العربية، فإن الفضاء الثقافي لساحة جمعة الفنا (المغرب) حاز أيضاً على اختيار اللجنة لتميزه وتفرده.

الجميع يعرف قائمة اليونسكو للتراث العالمي، وهي تجمع المواقع الثقافية أو الطبيعية الأهم والأكثر تميزاً على كوكب الأرض. وقد أرادت اليونسكو بإعلانها هذا عن 19 عمل فني عالمي إبراز الاهتمام بأهمية الحفاظ على التراث اللامادي، وهو عنصر أساسي من عناصر التنوع الثقافي. وأثناء الإعلان عن هذه النتائج، أشار المدير العام لليونسكو في ذلك الوقت كويشيرو ماتسورا، أن الإعلان لم يكن يشكل سوى خطوة أولى صغيرة. ذلك أنه كان قد تم اتخاذ قرار بالقيام بخطوة ثانية متممة وموازية على المدى البعيد: وهي تتمثل بمشروع أداة معيارية تتمم اتفاقية التراث العالمي لعام 1972 التي وضعت من أجل التراث المادي.

أضاف كويشيرو ماتسورا: “إن القائمة التي نضعها تتطلب عدداً معيناً من الالتزامات المحددة والصارمة جداً. فمن جهة، يُلزم تقديم طلب ترشيح من دولة أو مجموعة دول أن تقدم جرداً بتراثها اللامادي. ولا شك أن هذه الدولة أو الدول هي الأكثر إدراكاً لأهمية الحفاظ على جوانب وتظاهرات هذا التراث اللامادي، وعلى حمايته وحماية الأشخاص المحليين الذين يحيونه. من جهة أخرى على المرشحين أن يبروزا ليس فقط القيمة الثقافية للموضوع المقترح، بل واقتراح خطط للحماية بشكل مفصل. […] وأخيراً، فإن التسجيل على لائحة التراث العالمي من قبل اليونسكو لأي مجال من المجالات يلزمها أيضا بأن تضع كافة إمكانياتها لمساعدة البلد أو مجموعة البلدان صاحبة الشأن بالعمل المرشح في تمويل خطة الحفظ والحماية”.

من جهته، صرح رئيس لجنة التحكيم أنه لم يتم رفض أي من الترشيحات الأخرى بشكل نهائي. وقد أمل بأن يتم تقديم هذه الترشيحات مرة ثانية، “مع تحضيرها بدقة أكبر، خاصة فيما يتعلق بخطط العمل”، وأكد على ضرورة تقديم البلدان التي لم تشارك في تقديم ترشيحاتها أيضاً.

إن اليونسكو تعني بمصطلح التراث الشفهي واللامادي ما يلي:

“مجموع الإبداعات الناشئة عن مجتمع أو جماعة ثقافية مؤسسة على على التقليد، والتي يعبر عنها مجموعة أشخاص أو أفراد والتي يعرف عنها أنها تلبي توقعات المجتمع بما هي تعبير عن الهوية الثقافية والاجتماعية لهذا المجتمع، حيث أن المعايير والقيم تنتقل فيه شفهياً، بالتقليد أو عبر طرق أخرى. إن هذه الأشكال تشتمل، بين أشكال أخرى، على اللغة والأدب والموسيقى والرقص والألعاب والميثولوجيا والشعائر والعادات والمهارات الحرفية والعمارة وفنون أخرى كثيرة. تؤخذ أيضاً بعين الاعتبار إضافة إلى هذه الأمثلة الأشكال التقليدية في التواصل والإعلام”.

يتم الإعلان من قبل اليونسكو عن موعد تقديم طلبات الترشح للأعمال الفنية الرفيعة للتسجيل على قائمة التراث الشفهي واللامادي للإنسانية. يمكن للبلد أن يقدم ترشيحاً واحداً، في حين لا توجد حدود لعدد الترشيحات بالنسبة للترشيحات المقدمة من عدة بلدان مشتركة. وقبل تقديم الترشيحات للجنة التحكيم، تخضع ملفات الترشح للعرض على منظمات غير حكومية متخصصة، مثل المجلس الأعلى للموسيقى التقليدية والاتحاد الدولي للعلوم الإنثروبولوجية والإثنولوجية والهيئة الدولية الدائمة للسانيات.

المزيد..